أزاج أخر زمن مجرمون..و الله أعلم
كتب رضا محمود
رن موبايل "موني" بنغمة عرفت منها انها رسالة فأسرعت تلتقطه.. ثم أطلقت ضحكة عريضة.. من القلب. بعد أن قرأت مضمونها لم يسألها زوجها عن فحوي الرسالة.. ومن أرسلها. فهذه خصوصياتها التي لا يجب أبداً أن يطلع عليها أو يتحري عنها.. لأنه حاول ذلك في البداية. لكنها وضعت النقاط علي الحروف.. وقالت إنها كبيرة بما يكفي لأن تعرف ماذا تفعل.
وضعت الزوجة "الموبايل" مكانه.. بثقة من يعلم أنه لن يجرؤ أحد علي تحريكه.. ثم دخلت حجرتها لترتدي ملابسها وتضع الماكياج.. استعداداً للانطلاق إلي الخارج. لقضاء أمسية مع صديقاتها كما كانت تقول.
سيطرت علي الزوج رغبة ملحة في استكشاف الرسالة.. كان يقدِّم رجلاً ويؤخر الأخري. وهو في طريقه إلي الموبايل. فلو ضبطته متلبساً بالجريمة. فلن يمر الموقف علي خير.. بسرعة.. فتح الرسالة. فإذا من أرسلها هو "توتو" يبثها أشواقه وغرامه.. ويقول إنه ينتظرها علي نار.
تملكته الحيرة: هل يفاتحها في أمر الرسالة الساخنة. فتترك الموضوع الأصلي. وتسلخ جلده لأنه خرق تعليماتها. وارتكب جريمة لاتغتفر.. أم يتصرف كأنه لا يعرف شيئاً مما يدور وراء ظهره؟!.. الموقف أفلت من يده. رغماً عنه. وانتهي بانفجار مازالت شظاياه تطارده.
كانت "موني" تطربها كلمات الغزل وعبارات الثناء. وتستهويها نظرات الرغبة في أعين المعجبين والطامعين.. فملابسها قصيرة.. مثيرة وماكياجها صارخ.. وعطورها.. تنبيء بقدومها قبل أن تصل بألف متر.. تعتبر نفسها "اجتماعية". وأنها لا تغرد بعيداً عن السرب. فهي ابنة عصرها.. ومحيطها الاجتماعي الذي يطلقون عليه الراقي. اللهم إلا أنها كانت أكثر رفيقاتها أناقة.. وجرأة وقدرة علي مسايرة أحدث صيحات الموضة.. وهي غاية تسعي إليها كل بنات حواء علي حد قولها.
المثير أنها لم تعدم من يتقدم لخطبتها. فالطيور علي أشكالها تقع.. وبعد أن كانت ترفض العرسان. بحجة أنها تريد شاباً يفهمها وتفهمه. ويقبل أسلوب حياتها. الذي لن تغيره بعد أن تدخل القفص الذهبي.
وجاءها العريس الذي يرضخ لشروطها.. بل ويفخر بأنه فاز ب "جميلة الجميلات". التي يحسده عليها كل من حوله والتزم بوعده.. فقد منحها مزيداً من الحرية. بزعم أنه يثق فيها.. وبعد الزواج. أصبحت ملابسها أكثر انحساراً وسخونة.. باختصار: كانت علي رأي الزعيم عادل إمام "لابسة من غير هدوم". وكان حساب المساحات العارية من جسدها أيسر من البحث عن المساحات المغطاة بملابس رقيقة.. وشفافة.
في الحقيقة.. كان زوجها يتمزق قلبه من الغيرة عليها. فهو سليل أسرة أصابها الثراء بعدما طرق الحظ بابها بقوة وعنف. فدخلت الطبقة العليا من أوسع أبوابها. لكنها مازالت تحتفظ بقيم وتقاليد الطبقة الوسطي. التي انطلقت منها.
أما هو.. فقد تلقي تعليمه في المدارس والجامعات الأجنبية. ويحاول جاهداً أن يتشبه بأخلاق أقرانه فيها. حتي لا يقولوا إنه متخلف و رجعي لكنه كان يعاني من صراع بين القيم الأصيلة التي تشربها في أسرته وتلك الوافدة التي يميل إليها. وحتي لا يصبح منبوذاً بين أقرانه فكان يغمض عينيه عن النظرات الجائعة. التي تكاد تلتهم جسد زوجته.
أما هي.. فقد كانت تعتبر النظرات المسمومة.. التي سقطت بالضربة القاضية أمام حسنها وجمالها. أكبر دليل علي أنها فضلته علي كل الناس.. ونسي الاثنان أن الذباب لا يقع إلا علي اللحم المكشوف. والذئاب لا تحوم علي الفريسة إعجاباً بها.. بل لافتراسها.
كان الزوج إذن يغار علي زوجته.. ولكنه لا يبوح بمكنون قلبه. حتي لا تصفه بالمتخلف وتطرده من الجنة.. فيموت كمداً. وهو الذي غرق في حبها حتي أذنيه.
الزوجة الجميلة. في غياب زوجها يحاصرها أصحاب الرغبات المجنونة.. بعضهم يكتفي بنظرة خجولة.. أو جريئة. والبعض الاخر لا يمل من المطاردة. حتي تسقط فريسته "صريعة" نزواته.
الغريب أنها لم تحاول إخفاء علاقتها بالمعجبين. فليس ذنبها كما كانت تقول إنها جميلة. وأن كل من يراها يقع في هواها.. وينجذب إليها. كما تقع النحلة علي الزهرة البرية.
وشيئاً فشيئاً.. أخذ صمودها ينهار تحت مطارق المعجبين الملحين. وبدأت تسلم لهم جسدها.. حتي سارت في "سكة الندامة".
ووصل الزوج "المغفل" إلي نهاية المأساة متأخراً.. ليس لأن الزوج عادة آخر من يعلم ولكن لأنه لا يريد أن يعلم أصلاً.. فكانت الرسالة هذه مثل القشة التي قصمت ظهر البعير.. كان واضحاً أن "توتو" ينتظرها علي أحر من الجمر.. وهي تستعد بكامل زينتها للذهاب إليه.. الأمر لا يحتاج إلي شرح أو تفسير.
ولأنه لا يريد أن يدخل معها في صدام مباشر. يعرف مقدماً أنه سيكون الخاسر فيه.
انتظرها حتي خرجت من حجرتها. وسألها: هل للرسالة التي أضحتك علاقة بخروجك الآن. أطلقت ضحكة كبيرة. عندما تذكرت الرسالة وصاحبها.. قالت: لا تشغل بالك. لأن من أرسلها معجب بجنون.
لكنك امرأة متزوجة.. ولا يجب أن يكون رقم هاتفك متاحاً للجميع. وتصل بهم الجرأة لأن يرسلوا لك الرسائل الغرامية.. حتي في البيت.
ردت بعنف: رقم هاتفي ليس سراً. فهو مع "الشلة" كلها.
ثم تركت الموضوع الأصلي. كما كان يخشي. وبدأت تحاسبه علي جرأته في التجسس عليها.. قالت له: هل لطلعت علي الرسالة؟
رد: حب استطلاع.. ثم لا تنسي انك زوجتي. وليس بيننا أسرار.
قالت: لا.. يجب أن يكون لكل واحد خصوصياته. علي الأقل حتي لا تقف وتحاسبني.. وتحدد لي من أصادق!
رد.. وهو يتهته بعد أن ضاع منه الكلام: وهل علاقتك ب "توتو" تسمح له أن يبثك أشواقه. وينتظرك علي نار.
ساد الصمت لحظة. كانت تفكر فيها في أسلوب الرد عليه.. لكنه هو الذي استطرد في الكلام.. قال: أحذرك.. إذا لم "تخلعي" نفسك من هذه "الشلة". فسوف يكون لي موقف آخر معك.
ردت بهدوء: بل أنا من "سيخلعك".. لقد ظهرت علي حقيقتك.. "شخص يعيش في الماضي السحيق". وأنا لن أترك الرجال الذين يحبونني بجنون لأكون جارية عند رجل واحد.. "رجعي" وفعلاً.. خلعته.