رضا محمود Admin

عدد المساهمات : 1020 تاريخ التسجيل : 04/07/2009
 | موضوع: الثمن الباهظ للقصاص الجمعة أكتوبر 16, 2009 10:22 am | |
| الثمن الباهظ للقصاص إحساس المرء بعظمة نفسه ٬ ورسوخ قدمه ٬ وحصانة عرضه ضد المفتريات وإحساسه بتفاهة خصومه أو عجزهم عن النيل منه ٬ أو قدرته على البطش بهم ٬ كل ذلك يجعله بارد الأعصاب إذا أهين ٬ بطىء الغضب إذا أسىء إليه. والغالب أن الإنسان يتغير ٬ ثم يغتاظ ٬ ثم تنفجر ثورته إذا اقتحمت نفسه ٬ كما يقتحم العدو بلدا سقط فى قبضته وأعلن الاستسلام. أما إذا أيقن أن عدوه يحاول المستحيل باستفزازه ٬ وأنه مهما بذل فلن يجرحه ٬ فإن هذه الطمأنينة تجعله يتلقى الضربات بهدوء ٬ أو بابتسام ٬ أو بسخرية. ودعما لهذه الحقيقة نسوق شاهدين: أحدهما ذكره ` ديل كارنيجى ` ٬ والآخر ذكرته فى كتابى ` خلق المسلم ` وكلا الشاهدين يصدق الآخر ويزكيه. قال ` ديل كارنيجى` : “نصبنا مُخيَّما ذات ليلة تجاه حرش متكاثف الأشجار ٬ وفجأة برز لنا وحش الغاب المخيف: الدب الأسود. وتسلل الدب إلى ظلال الضوء المنبعث من معسكرنا ٬ وراح يلتهم بقايا طعام يبدو أن خدم أحد الفنادق المقامة فى أطراف الغابة ألقاها هناك... وفى ذلك الوقت كان ` الماجور ما نتريل ` أحد رواد الغابات المغامرين يمتطى صهوة جواده ٬ ويقص علينا أعجب القصص عن الدببة ٬ فكان مما قاله: إن الدب الأسود يسعه أن يقهر أى حيوان آخر يعيش فى العالم الغربى باستثناء الثور على وجه الاحتمال. غير أنى لاحظت فى تلك الليلة أن حيوانا ضئيلا ضعيفا استطاع أن يخرج من مكمنه فى الغابة وأن يواجه الدب غير هياب. ولا وجل. بل أن يشاركه الطعام أيضا ٬ ذلك هو ` النمس `. ولا ريب أن الدب يعلم أن ضربة واحدة من مخلبه القوى تمحو ` النمس ` من الوجود ٬ فلماذا لم يفعل هذا. لأنه تعلَّم بالتجربة أن مغاضبة مثل هذا الحيوان الضئيل عداوة لن تعود بالضرر إلا عليه هو ٬ فأكرم له وأليق بكبريائه أن يغض الطرف عنه. ولقد تعلمت هذا أنا أيضا ٬ فطالما ضيقت الخناق على آدميين من طراز هذا `النمس` ٬ فعلمتنى التجربة المرة أن اجتلاب عداوة هؤلاء لا تجدى فتيلا”. ذاك ما كتبه ` ديل كارنيجى ` فى كتابه: ` دع القلق `. وقد وافقته فى هذا التفكير فيما كتبتهقبلابخلق المسلم قلت: “ومع أن للطباع الأصيلة فى النفس دخلا كبيرا فى أنصبة الناس من الحدة والهدوء ٬ والعجلة والأناة ٬ والكدر والنقاء؟ إلا أن هناك ارتباطا مؤكدا بين ثقة المرء بنفسه وبين أناته مع الآخرين وتجاوزه عن خطئهم. فالرجل العظيم حقا كلما حلق فى آفاق الكمال اتسع صدره ٬ أو امتد حلمه ٬ وعذر الناس من أنفسهم ٬ والتمس المبررات لأغلاطهم. فإذا عدا عليه غر يريد تجريحه ٬ نظر إليه من قمته كما ينظر الفيلسوف إلى صبيان يعبثون فى الطريق وقد يرمونه بالأحجار. وقد رأينا الغضب يشتط بأصحابه إلى حد الجنون عندما تقتحم عليهم نفوسهم. ويرون أنهم حقروا تحقيرا لا يعالجه إلا سفك الدم. أفلو كان الشخص يعيش وراء أسوار عالية من فضائله يحس بوخز الألم على هذا النحو الشديد؟ كلا. إن الإهانات تسقط على قاذفها قبل أن تصل إلى مرماها البعيد. وهذا المعنى يفسر لنا حلم ` هود ` وهو يستمع إلى إجابة قومه بعد ما دعاهم إلى توحيد ا لله قالوا: “إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين”. إن شتائم هؤلاء الجهال لم يطش لها حلم ` هود ` لأن الشقة بعيدة بين رجل اصطفاه الله رسولا ٬ فهو فى الذؤابة من الخير والبر ٬ وبين قوم سفهوا أنفسهم
| |
|