موضوع: هزيمة وزير .. وسقوط «دولة»..! - بقلم: مجدي الجلاد الخميس أغسطس 04, 2011 9:09 am
أن يفشل وزير في إصلاح أمر ما في هذا البلد، فذلك يحدث أحياناً.. وأن يرضخ مسؤول لضغوط جماعات مصالح وأصحاب مكاسب شخصية، فذلك يحدث كثيراً.. ولكن أن «ينهزم» وزير بارز في الحكومة، في مواجهة شبه علنية مع قيادات في الحزب الوطني من رجال الأعمال، فهذا يمثل سابقة تنذر بسيطرة «حفنة» قليلة من أصحاب المصالح والمليارات علي القرارين السياسي والاقتصادي في مصر، ويهدد بزوال «الدولة» أمام سطوة الأفراد ونفوذهم. مبدئياً.. ما أكتبه هنا يدخل في نطاق المعلومات، وليس التحليل.. الوقائع الثابتة في كواليس الحكومة، والبرلمان، وليس الشائعات أو التكهنات.. وقطعاً فأنا مسؤول عن كل كلمة، وأدعو إلي فتح تحقيق حولها.. والحكاية من بدايتها أن صراعاً طاحناً وخفياً يدور منذ فترة طويلة بين المهندس رشيد محمد رشيد، وزير التجارة والصناعة، من جانب، والمهندس أحمد عز، وعدد من قيادات الحزب الوطني «أمانة السياسات» من رجال الأعمال، من جانب آخر.. فالحزب، كما تعلمون، «جمع» خلال السنوات الأخيرة عدداً من رجال الأعمال، الذين يمتلكون ويديرون «إمبراطوريات» ضخمة من «البيزنس»، والطبيعي أن يحدث تضارب مصالح بين العملين الحزبي والسياسي لهؤلاء، و«البيزنس» الذي دخل منطقة الاحتكار. وطبيعي أيضاً أن يحاول رشيد، ووزارته، مكافحة هذا الاحتكار، وإصلاح أوضاع السوق، لذا كان منطقياً إحالة ملفي الحديد والأسمنت إلي جهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار بوزارة التجارة والصناعة، منذ عام وعدة أشهر، وأحال الجهاز بالفعل شركات الأسمنت إلي النائب العام، الذي أحالها بدوره إلي محكمة الجنايات، ولكن ملف الحديد لايزال داخل الجهاز، رغم علمي التام بأن الجهاز انتهي منه بالفعل منذ عدة أشهر، ولكن لماذا تأخر الإعلان عن القرار حتي الآن؟! المعلومات المؤكدة، التي بحوزتي، تؤكد أن وزارة التجارة والصناعة توصلت إلي ما يثبت وجود احتكار في صناعة الحديد، وأن الأمر كان بحاجة إلي تغيير «قانون الاحتكار» القديم، لتتناسب عقوبة الممارسة الاحتكارية مع ضخامة عائدات صناعة الحديد الحالية، لذا فقد تقدمت الحكومة بمشروع قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار للبرلمان، الذي ينص علي تغريم الشركات المحتكرة 10% من عائداتها سنوياً، وإذا عرفنا أن بعض الكيانات الصناعية الضخمة سوف تصل فيها الغرامة إلي ما بين مليار وملياري جنيه سنوياً، فسنعرف حتماً خطورة هذه المادة في القانون الجديد.. وسنعرف أيضاً لماذا دارت واحدة من أشرس المعارك داخل البرلمان لإلغاء هذه العقوبة أو المادة. انهزم رشيد محمد رشيد في المعركة، رغم شراسة الحرب، فحين دخل القانون مجلس الشوري رفع الأعضاء عقوبة الاحتكار إلي 15%.. ففرح الوزير، ومعه الحكومة، ومعهما الرأي العام بالكامل.. ثم دخل القانون مجلس الشعب، وبدأت المواجهة العلنية، وبفعل سطوة رجال الأعمال من الحزب الوطني، وضغوطهم، احتشدت الأصوات للمطالبة بإلغاء هذه العقوبة، وتحديدها بمبلغ ثابت دون نسبة من العائدات.. ولم يكن أمام رشيد محمد رشيد سوي إطلاق مقولته الشهيرة بمزيج من الألم والتهديد والتوسل: «إذا ألغيت هذه المادة فلا داعي للقانون كله»، كان رشيد يعني ما يقول.. فالهدف من التعديل هو ضرب الاحتكار، وإلغاء المادة أو تعديلها يعني انتصار «الاحتكار والمحتكرين». 48 ساعة من الصراع المرير: الحكومة تضغط، ورشيد يطلب التدخل لإنقاذ القانون، وأباطرة «البيزنس» والاحتكار يحشدون الأصوات والأسلحة لوأد القانون، وفتحي سرور، رئيس مجلس الشعب، يقذف بالمواد بين اللجنة الاقتصادية والجلسة العامة، انتظاراً لحسم المعركة لصالح أحد الطرفين. انتصر رجال أمانة السياسات في الحزب الوطني، وتم إلغاء نسبة الـ15%، بل والـ10%، وأقر المجلس تغريم المحتكر 300 مليون جنيه، وهي غرامة لمن يعلم بـ «رخص التراب»، مقارنة بالمليارات التي يحصدونها..! انهزم رشيد.. وأصيب بالاكتئاب والإحباط.. واندحرت الحكومة، وجرجرت ذيول «الخيبة».. وانتصر رجال «أمانة السياسات».. ومع المنهزم والمندحر والمنتصر.. سقطت الدولة..! المصري اليوم